احتكار القلة في إدارة قطاع الاتصالات في العراق

هل تساءلت يوماً عن سبب تقارب أسعار الاتصال بين شركات الاتصالات العاملة في العراق؟ لا يقتصر التشابه على الأسعار فقط، بل يمتد ليشمل العروض أيضًا، حيث تقدم الشركات العروض الشهرية (15000 دينار) والإنترنت “المفتوح” بمتوسط 45000 دينار. أليس من الأفضل أن تتنافس الشركات بعروض مميزة أو تخفيض التكاليف؟ الجواب هو: لا! والسبب هو مفهوم “احتكار القلة” أو الـ(Oligopoly).

ما هو احتكار القلة؟

احتكار القلة هو وضع يحدث في السوق عندما تسيطر عليه عدد محدود من الشركات (أكثر من شركتين، وإلا سيتحول السوق إلى الاحتكار المزدوج أو Duopoly). يتميز هذا النوع من الأسواق بتشابه المنتجات المقدمة من جميع المنافسين، وقلة عدد المنافسين، ووجود طلب غير مرن على الخدمات (أي أن تغير الأسعار لا يؤثر بشكل كبير على سلوك المستهلكين).

تحليل سوق الاتصالات في العراق

عند تحليل سوق الاتصالات النقالة في العراق، يمكن ملاحظة ما يلي:

  • تسيطر على السوق ثلاث شركات فقط: زين العراق، آسياسيل، وكورك. ومع امتلاك زين العراق وآسياسيل لحوالي 90% من السوق، نحن أقرب إلى حالة الاحتكار المزدوج.
  • تتشابه الخدمات التي تقدمها هذه الشركات بشكل واضح، وأفضل مثال على ذلك هو سرعة الاتصال على الشبكات الثلاث.
  • الطلب على الخدمات من المشتركين غير مرن، أي أن الطلب لا يتأثر بتغيير السعر. وقد تجلى ذلك بوضوح عند فرض الضرائب على شركات الاتصال مما رفع سعر شراء الرصيد بنحو 20%، ولم تتغير عادات الاتصال لدى أغلب المستخدمين.

فهم طبيعة السوق

قطاع الاتصالات في العراق مثال حي لاحتكار القلة. هذه الظاهرة ليست خاصة بالسوق العراقي فقط، بل هي سمة شائعة في أسواق الاتصالات حول العالم. هناك أيضًا أسواق أخرى تنطوي تحت نفس التصنيف، مثل سوق الطيران (حيث تسيطر عدد محدود من شركات الطيران على السوق)، وسوق أجهزة المحمول (الذي تسيطر عليه شركات مثل أبل وسامسونج مع حصة أصغر لشركات مثل هواوي وشاومي).

الفائدة من هذا التحليل

إذا لم يكن قطاع الاتصالات العراقي فريدًا بهذا التصنيف، فما الفائدة من التحليل؟ دراسة السوق باعتباره سوق احتكار القلة توفر لنا فهمًا أعمق للطبيعة التنافسية في السوق، وتمكننا من التنبؤ بمستقبله، خاصة مع دخول لاعب رابع “وطني” إلى السوق.

التنافس بعيدًا عن الأسعار

عادة ما يكون التنافس في هذه الأسواق بعيدًا عن الأسعار. تتنافس الشركات بالإعلان وتحسين الخدمات. إذاً، لماذا لا يتنافسون بتخفيض الأسعار؟

للإجابة على هذا التساؤل، نحتاج لفهم “نظرية الألعاب” ومبدأ “توازن ناش” – يمكن أن تتذكروا هنا الفيلم الرائع “عقل جميل” بطولة راسل كرو، والذي يروي قصة العالم جون ناش أحد مؤلفي النظرية. تساعد نظرية الألعاب المتنافسين على الوصول إلى أفضل اختيار في ظل ظروف السوق واختيارات المنافسين. تتوصل النظرية إلى أن جميع الشركات يمكنها تحقيق أرباح معقولة إذا كانت متعاونة (في تحديد الأسعار)، أي تفكر في مصلحة السوق بشكل عام وليس في مصلحتها الفردية فقط.

إذا قامت إحدى الشركات بخطوة استراتيجية لتحقيق مصلحتها الذاتية ولم يقم المنافسون بالرد، يمكنها تحقيق أرباح أعلى. ولكن إذا قام المنافسون بالرد بقوة، فقد يكون الجميع في وضع أسوأ. (يمكنكم البحث عن “معضلة السجينين” لفهم النظرية بشكل أكثر تفصيلًا).

النتائج المتوقعة

في سوق الاتصالات العراقي، من المحتمل ألا يكون هناك تغيير في تكلفة الاتصال عند دخول المنافس الرابع، لكن من المتوقع أن تتحسن كفاءة الاتصال وجودة الخدمات. وهذا ما قد يعتمده المنافس الرابع للتميز في السوق.

المراجع

1. Porter, M. E. Competitive Strategy: Techniques for Analyzing Industries and Competitors. New York: Free Press, 1980.

2. BMI Iraq Telecommunications Report Q4 (2023)