يتميز مجال الاتصالات في العراق بديناميكيات وتحديات فريدة يمكن تحليلها بفعالية باستخدام نموذج القوى الخمس (الشكل ادناه) لمايكل إي. بورتر من كتابه الشهير، الاستراتيجية التنافسية1. يهدف هذا المقال التحليلي إلى تقديم فهم شامل للقوى التنافسية التي تشكل قطاع الاتصالات في العراق.
1. تهديد المنافسين الجدد (الداخلين الجدد الى السوق)
يتأثر تهديد الداخلين الجدد إلى سوق الاتصالات العراقي بعدة حواجز منها اقتصاديات الحجم حيث ان الكلفة التقديرية للمستخدم تنخفض مع زيادة المستخدمين مما يشكل عبئاً على الداخلين الجدد الى السوق التنافسي، و منها ايضاً الهوية التجارية للشركات الراسخة في السوق و ولاء العملاء لها. كذلك من الحواجز في قطاع الاتصالات متطلبات الاستثمار الاولي العالية من رسوم التراخيص و كلفة البنية التحتية. كما تشكل كلف التبديل المنخفضة (كلفة تحويل الاشتراك من مزود خدمة الى مزود اخر) حاجزاً لدخول شركات جديدة الى السوق حيث يصعب الحصول على ولاء العملاء.و أخيراً، وعلى الرغم من أنه ليس حاجزًا كبيرًا، فإن نقاط البيع وشبكات الإعلان القائمة للشركات الرئيسية تشكل تحديًا للداخلين الجدد الذين يحتاجون إلى تطوير قنوات توزيعهم الخاصة.
2. شدة التنافس بين المتنافسين الحاليين
يتأثر التنافس بين الشركات الحالية في سوق الاتصالات العراقي بعدة عوامل منها نمو الصناعة البطيء حيث وصل معدل تشبع السوق إلى 90%2 (أي ان ما يقارب 90% من الزبائن المحتلمين لديهم خطوط اتصال) ولهذا تكون فرص النمو محدودة، مما يزيد من حدة المنافسة على حصة السوق بين اللاعبين الحاليين. يضاف الى ذلك التكاليف الثابتة العالية بما في ذلك الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا، مما يضغط على الشركات للحفاظ على تسعير تنافسي. و من العوامل المؤثرة على التنافس في السوق هي حواجز الخروج العالية (أي الصعوبات المالية للشركات في حال الرغبة بالخروج من السوق) حيث ان الاستثمار الكبير في البنية التحتية المتخصصة يخلق حواجز خروج عالية، مما يجبر الشركات على الاستمرار في التشغيل حتى عندما تكون الربحية منخفضة.
3. قوة التفاوض لدى المشترين
تكون قوة التفاوض لدى المشترين في سوق الاتصالات العراقي منخفضة نسبياً لأسباب منها ان قاعدة المشترين مجزأة، حيث ان المشترين الرئيسيون هم المستهلكون الأفراد، والذين تكون قوة تفاوضهم الجماعية محدودة على الرغم من عددهم الكبير. ومن الأسباب ايضاً ان خدمات الاتصالات تعتبر أساسية للحياة اليومية، مما يقلل من قدرة المشترين على طلب أسعار أقل أو مستويات خدمة أعلى دون المخاطرة بفقدان الاتصال.
4. قوة التفاوض لدى الموردين
الموردون الرئيسيون في قطاع الاتصالات العراقي هم الحكومة ومزودو التكنولوجيا:
- الحكومة كمورد: تتحكم الحكومة في تراخيص الترددات وتوفر خدمات الإنترنت بالجملة لشركات الاتصالات، مما يمنحها قوة تفاوضية كبيرة للتأثير على الأسعار وشروط الخدمة.
- مزودو التكنولوجيا: في حين أن مزودي التكنولوجيا العالميين يلعبون دورًا أيضًا، فإن قوتهم التفاوضية تتوسطها الطبيعة التنافسية لسوق التكنولوجيا.
5. الضغط من المنتجات البديلة
تشكل المنتجات البديلة تهديدًا متوسطًا لصناعة الاتصالات في العراق. وتمثل خدمة الانترنت الثابت التهديد الوحيد لشركات الهاتف المحمول. في حين أن الخدمات المحمولة لا غنى عنها لمعظم المستخدمين، فإن توفر ونمو خدمات الانترنت الثابت (الواي-فاي) يمكن أن يقلل من استخدام البيانات المحمولة.
ختاماً، يمتاز قطاع الاتصالات في العراق بحواجز دخول كبيرة، وتنافس شديد بين المنافسين الحاليين، وقوة تفاوض متوسطة لدى الموردين، وقوة تفاوض منخفضة لدى المشترين. كما وتلعب السياسات الحكومية والتطورات التكنولوجية أيضًا أدوارًا حاسمة في تشكيل المشهد التنافسي. ولهذا يوفر استخدام نموذج القوى الخمس لبورتر إطارًا شاملاً لفهم هذه الديناميكيات وتأثيرها على ربحية هذا القطاع والوضع الاستراتيجي.
المراجع
1. Porter, M. E. Competitive Strategy: Techniques for Analyzing Industries and Competitors. New York: Free Press, 1980.
2. BMI Iraq Telecommunications Report Q4 (2023)